تنظيرة معسكرات الإعلام الحر

من ويكي أضِف
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

التعبير في ثوراتنا

في بداية عام ٢٠١١، ومع انطلاق الثورة المصرية والثورات العربية الأخرى، أصبح التعبير عن النفس مطلقاً وتحدي السلطة مطلقاً - بعد عقود من الكبت والتعبير الحذِر أو الموارب. فجأة، لم يصبح الآلاف من البشر راغبين في التعبير فحسب، وإنما غدوا قادرين على التعبير إلى حد الانفجار.


التغيير في المشهد كان مذهلاً، وحاولنا اغتنام هذه الفرصة في أضِف، فاجتمع عدد كبير من الأعضاء في فبراير ٢٠١١ لمناقشة المعسكرات بعد الثورات، وتحديد الأولويات في العمل للمرحلة القادمة بناء على الواقع الجديد واحتياجاته ونوعية تدخلنا في هذا السياق. وحين بدأنا بالعمل مع مجموعات من الشباب، اكتشفنا نقصاً حقيقياً في آليات تنظيم العمل الجماعي والتنسيق والتعبئة، وعملنا معاً على تطوير قيم العمل الجماعي وآليات التعبير لتكون الأصوات مسموعة بشكل أكبر، ولتكون أقوى بحيث تواجه وتناضل. وهكذا انتقلنا من مرحلة إدراك أن التعبير هو حق مطلق، إلى مرحلة تطوير آليات التعبير ضمن مجموعة أو بشكل جماعي.


ومن خلال عملنا وما عشناه من تجربة استكشاف مع مجموعات الشباب المتنوعة؛ حيث ناقشنا معهم عملهم وساهمنا في تطوره، وفي موازاة اهتمام ومتابعة عدد من أعضاء أضِف لتطور الإعلام خلال هذه الفترة - بالإضافة إلى تتبع تطور النقاشات وتنوع السرد بين الإعلاميين في شبكتنا ممن نتشارك معهم في الرؤية عن التعبير والحرية – قررنا الاشتباك في هذا المشروع المتعلق بالإعلام من خلال نفس الإطار الذي خلق ما هي عليه أضِف الآن: المعسكرات.


وهذا التفاعل والاشتباك يعني أن نبدأ بحوار فردي، ثم حوار جماعي مع مجموعة متنوعة من العاملين بالإعلام يشاركوننا اهتمامنا في التطور الى واقع إعلامي جديد، بحيث نقوم بأخذ آرائهم وأفكارهم، ومن ثم نقوم بتطوير أفكار ومفاهيم أساسية ووضع آليات لترجمة وتنفيذ هذه الأفكار من خلال تجاربنا المختلفة. وبهذا، ستنطوي عملية صنع معسكرات الإعلام عن خطوات مشابهة لما نقوم بعمله في معسكرات التعبير الرقمي العربي من وضع للأفكار الأساسية ثم تطويرها إلى طرق ثم مناهج ثم برامج ثم آليات، فتصبح العملية كلها بوتقة للتجريب واكتساب الخبرات بطريقة جماعية.


لماذا معسكرات للإعلام؟ معرفتنا من خلال معسكرات التعبير الرقمي العربي

إن تجربة أضِف الثرية تشير بوضوح إلى التأثير الهام الذي تخلقه تجربة المعسكرات عاماً بعد عام. وكانت البذرة التي أدت بنا إلى هذه التجربة الطويلة والممتعة هي تفاعلنا مع أشخاص مشتبكين بمجتمعاتهم واحتياجاتها في نقاش حول سؤالين أساسين: ما الذي ينقصنا في هذا الجيل؟ وكيف يمكن توفير بيئة أكثر رحابة وإبداع للجيل القادم؟ وهو ما أوصلنا إلى أساسيات رؤيتنا عن التعلم والتعبير.


نظرنا بيننا فوجدنا أن "العربية" هي جزء من هويتنا، وفي حدودها الدنيا هي اللغة واستخدامها بيننا للتواصل، ثم باشتباكنا ببعضنا فإن ذلك يؤدي لأن نكتشف ما هي هويتنا. نقلنا هذا إلى سؤال مثل: ما هي الذاكرة المشتركة لهذا الجيل؟ واجتمعنا على أن بيئة التعلّم في مجتمعنا هي بيئة مشبوهة سيئة.


من هنا كانت نشأة المعسكرات كبيئة أخرى للتعلّم، وكجزء من فرضية التعلّم الذي نحلم به لأولادنا. حيث تعتمد على توفير مساحة جديدة تكفل حرية الاختيار في ما يريد الفرد أن يتعلّمه، بحيث تُبنى المعرفة فيها بالاستكشاف عندما يجرب بنفسه ويخطئ فيتعلّم، وبالتشاركيّة عندما يتعاون مع الآخرين على اختلافاتهم لتحقيق هدف ما، وبالتعبير الحر والتطوير المستمر. وأدركنا مع كل عام، أن التجربة المعاشة للمعسكرات هي بالفعل بيئة تعلّمية مهمة تكسر المسلمات، وأن العملية التشاركية التي طورنا من خلالها الأفكار والمفاهيم ومن ثم الآليات المتنوعة، هي وسيلة استطعنا عن طريقها بالاشتراك مع الشباب المدرّبين والفتية الوصول إلى أن الإنسان قادر على التعبير، قادر على التغيير.


وفي حديثنا عن الإعلام البديل أو الإعلام الحر، وعن الدور الذي يمكن لأضِف أن تلعبه في تطوير بيئة إعلامية تتمتع بالحرية والمصداقية وتسهم في التغيير الإيجابي، فإننا نعي جيداً أننا في مرحلة مبكرة لوصف هذا الدور أو التدخّل. والمدخل الوحيد الذي بحوزتنا لاستكشاف هذا الدور هو ما لدينا من معرفة وخبرات في شبكتنا حتى الآن، وهو ما نرغب بتطويره في بيئة تؤسس لتعلّم سريع وارتباط قوي. ومن هنا فالبيئة التي نفكر بها أيضًا، هي المعسكرات لما لنا من خبرة طويلة في العمل من خلالها، ولإدراكنا للطريقة المختلفة التي تطرحها في التعلّم والتبادل والتفاعل مع الأفكار. أما بالنسبة لمحتوى المعسكر وتنظيمه وتوجهاته وأسلوب الإدارة والعمل داخله والطرق المطلوب العمل عليها والمعرفة المستفادة - بترتيبهم من حيث الأهمية - فلا يزال ذلك في مرحلة التبلور.


التحليل

لنتمكن في أضِف بالاشتراك مع مجموعة من الإعلاميين الذين نتشارك معهم في الرؤية عن التعبير والحرية، من عمل تدخل ممنهج في واقع الإعلام الجديد ووضع مفاهيم وآليات خاصة به؛ كان من المهم مناقشة فكرة الإعلام بشكل عام واختلاف الإعلام السلطوي وإعلام الدولة وإعلام رجال الأعمال عن الإعلام البديل. كما قمنا بالبحث عن نماذج وتجارب الإعلام البديل، ومحاولة مناقشة ماهية مشاكله ومن هم الداعمين له وما الذي يحتاجون إليه، وقمنا ببعض التحليل لما وصل له اليوم.


من خلال هذا التحليل، لدينا فرضية تقول بأن ما حدث في مصر على الأقل في العشر سنوات الأخيرة هو تطور مرصود في وسائل الإعلام نتيجةً للتطور التكنولوجي والوضع القمعي السيء، الأمر المتشابه في الدول العربية. وبحدوث الثورات وارتفاع وتطور الإعلام البديل، حدث تطور كبير للأصوات المستقلة التي تعمل من خلال تكنولوجيا متاحة ومنخفضة التكلفة، مما جعل الإعلام المؤسسي والرسمي يتتبعها وينقل عنها. وهكذا أصبح الإعلام البديل بكل أشكاله المواطني والاجتماعي وعبر المنشورات والبيانات واليافطات والهتافات والكاريكاتير وحتى بدخوله إلى الصحف (مثلما فعل علاء عبد الفتاح وابراهيم الهضيبي) والتلفزيون هو صانع الخبر والحدث والبيان والتحليل والمعلومة والمعرفة.


وإذا نظرنا لما حدث في السنة الأخيرة في مجال الإعلام وتحديدًا منذ يناير ٢٠١٣ نجد أنه قد حدث تبادل صارخ في الأدوار بين الإعلام المؤسسي والإعلام البديل؛ بحيث تطوّر الإعلام الرسمي والمؤسسي وبدأ باستخدام الإعلام البديل كمادة إعلامية، بداية بالتواصل مع مدونين مثل علاء عبد الفتاح ووائل عباس وحسام الحملاوي، وباللحاق بالإعلام البديل إلى أن تمكن من نفس الأدوات بل وتطور عنها، ونجح في رسم خطط واستراتيجات وفي تطوير الأداء والشكل ثم المحتوى إلى أن وصلنا لما وصلنا عليه من أن الإعلام البديل أصبح هو من يتابع الإعلام الرسمي والمؤسسي، كأن يقوم كل من باسم يوسف ولميس الحديدي وأحمد موسى وتوفيق عكاشة بتقديم المادة الإعلامية ثم يقوم الإعلام البديل بعد ذلك بنشرها واستخدامها وتداولها.


هناك فرضية أخرى تقول بأن الإعلام المؤسسي استقطب و"شفط" من الإعلام البديل موارده في اللحظة اللي حصل فيها ارتباك كبير على كافة الأصعدة في مصر، والإعلام الخاص الجديد لم يرى فرصة إلا أن يجذب الشباب والإعلاميين الذين كانوا يتحركون ضمن حدود الإعلام البديل ثم أسقطهم بوضوح. حتى مؤسسة المصري اليوم، نكاد لا نتعرف عليها اليوم، من حيث أين كانت وكيف أصبحت بعد سنة ونصف في مساحة الحريات المتاحة من خلالها ونوعية المحتوى. وهكذا يبدوا أن السنتين الماضيتين شهدتا تصفية حقيقية لكوادر ومحتوى الإعلام البديل، بدءًا من الجرائد وانتهاءً الآن بالتلفزيونات.


وجزء آخر مما سمعناه وناقشناه أثناء التحليل يفترض أن الإعلام البديل قد فقد المحتوى الذي ينشره ولم يعد هناك ما يقدمه بعد أن اضطرت كوادر كثيرة منه – كانت تحسب على الثورة – لأن تتحالف مع الفلول ضد الإخوان وبالتالي فقدت قيمها. بذلك لم يعد لدى الإعلام البديل محتوى يمكن عرضه وأصبح بالتالي متتبعًا للإعلام المؤسسي والرسمي.


ماذا حصل؟ كيف وصلنا هنا؟

كما نرى، إن الوضع الحالي الذي نعيشه يعبر عن الفارق الرهيب بين ما اكتسبناه منذ ٢٠١١ وبين ما غدونا عليه بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣؛ فبعد التراكم والتصاعد في الإعلام البديل بكل أشكاله في مرحلة ما بعد حدوث الثورة وبعد أن كان المصدر لأي معرفة حقيقية لها علاقتها بالشارع والأحداث والإحساس العام، تحوّل هذا الإعلام منذ ما قبل ٣٠ يونيو بسنة على الأقل إلى تابع ومراقب للإعلام الرسمي والخاص الجديد. وبعد أن رأينا في السنة والنصف الأولين العديد من المدونين والناشطين في التلفزيونات، تدهور الأمر لنعود ونشاهد مؤخرًا الخبراء الاستراتيجيين ولواءات الجيش. ومثل ذلك على تويتر، بدأ الناس يتناقلون تغريدات (تويتات) ليس فقط باسم يوسف بل أيضًا أحمد موسى وتوفيق عكاشة، بدلاً من علاء عبد الفتاح ووائل عباس وغيرهم. هذا بالإضافة إلى أن الإعلام المؤسسي بمجرد تحوله من إعلام رسمي إلى إعلام خاص، أدى ذلك لتفوّق في آلياته ووسائله (الـ سي بي سي وأون تي في وغيرها)، وفجأة لم يعد هناك قيمة للإعلام البديل، ولم يعد قادرًا على خلق سرد جديد.


من جهة أخرى، فخلال تجربتنا في الاشتباك في هذا المجال ودعمه لمدة سنتين، وتجربة العمل مع كثير ممن يعدّون أنفسهم إعلامًا بديلاً مثل الراديوهات والمجلات والمنشورات والجرائد التي تعمل من خلال الإعلام المحلي، قد اكتشفنا أنهم لجأوا للإعلام البديل لأنهم لم يستطيعوا الوصول للإعلام الرسمي والمؤسسي. كما يسعى أغلبهم لإيجاد من يوظفهم أو لإيجاد مستثمر يحوّلهم لراديو إف أم أو جريدة مطبوعة. ثم بدأنا باكتشاف أن من يعملون على اللجان الشعبية ونشر المنشورات ينجحون في تغطية نطاق أوسع في العمل على الأرض، ويعود ذلك لكون العمل يقسم بشكل محلي وتستخدم آليات أكثر محلية في التوزيع، إلا أن التكوين كله لا يزال غير مكتمل.


والتساؤلات المطروحة هنا أمام هذه الفرضيات: هل حصل تبادل الأدوار هذا بقصد؟ هل تعمد الإعلام الرسمي والمؤسسي الخاص جذب الشباب وتصفيهم؟ هل نسينا شيئًا ما؟ وما الذي ينبغي علينا فعله في مواجهة إعلام شاطر؟ فهذا الإعلام المؤسسي الخاص لا ينتظرنا، بل هو متحفز جدًا ومتربص ويمتلك ميزانيات مرتفعة، كما أن لديه طاقم كبير من المعدّين وورائه مؤسسة وأجندة لا نعرف لمن تعود بالضبط.


أما المستقلين من الإعلام والذين اخترقوا الإعلام المؤسسي في وقت ما، هل هي محاولة فشلت بالكامل؟ ولو لم تفشل بالكامل، ما الذي يمكن عمله وكيف بإمكاننا أن نساهم في ذلك؟ هذا السؤال يعيدنا للتدخل الذي يمكن لأضِف أن تحدثه، ونريد أن نفعله من خلال معسكرات للإعلام.


وأثناء محاولات أضِف المبكرة للاشتباك في مجال الإعلام، نظمنا خلال السنتين الماضيتين أربع ورش عمل للتسجيل والإعداد وعمل اللقاءات والبث والمونتاج لمجموعات تعمل في الراديو المحلي، وقد أثمرت هذه التدريبات بالفعل عن تحسن في مهاراتهم وأدائهم، لكن الفكرة والتكوين الجوهري لكل منهم أو لهم كمجموعة لا يزال ناقصًا، ولم يتم مناقشته إلا في واحدة من الورش التي أقيمت (الورشة الثانية). في تلك الورشة، حاولنا مناقشة ما هو الإعلام المحلي وما هو الإعلام البديل وما هو الراديو وما هو الإنترنت، وهل الإنترنت يمنح نفس الميزات أو يعطي نفس المخرجات التي تتيحها الوسائل الإعلامية الأخرى، وهل نحن نعد إعلامًا منافسًا أم بديلًا، وهل هذا هو المستقبل بتطوره الطبيعي أو هو رد فعل فقط في المرحلة الحالية؟


تم طرح كل هذه الأسئلة على المجموعات لكن دون عمق، وتبيّن أن هناك مبادرات راديو محلية كثيرة لا تمتلك إجابات عن التكوين والإطار الذي تعمل ضمنه. ولكن هناك قلائل ممن يمتلكون إجابات، مثل راديو جرامافون الذي يعرف لماذا هو راديو قائم على الإنترنت (ويب راديو)، ولديه تكوين وهيكلية محددة لعمله، وتصور واضح عن ما يسعى إليه.


وهكذا، بفكرتنا الأساسية في أضِف وهي حرية التعبير والحق في المعرفة وأن الإنسان القادر على التعبير قادر على التغيير، اهتممنا بالإعلام البديل طوال الوقت، ولكن بعد ما وصل إليه وتحليل تكويناته، لدينا مشكلة حقيقية في الطروحات الموجودة.


ما المطلوب؟

ما المطلوب للإعلام في هذه المرحلة التي وصلنا لها؟ شباب كثر رأوا المرحلة السابقة من تطور الإعلام واشتبكوا معاها أونلاين وفي الشارع، جربوا ونجحوا ثم تعثروا أو فشلوا في منتصف الطريق، ونحن الآن وصلنا لهذا الموقف الذي يسيطر فيه الإعلام المؤسسي الخاص على إنتاج المحتوى وعرضه. وبعد أن صدق بعض الشباب في وقت ما أنهم سيصبحون هم واجهة الإعلام، وأن صوت المطالبين بحرية التعبير والحق في المعرفة هو الأكثر سمعًا وأن آلياتنا هي الأفضل، نشهد هذا التراجع العظيم وعلينا أن نتحرك!


ما الذي يمكننا أن نقدمه؟ ما المساحات التي سنعمل عليها؟ نحن نتكلم بوضوح عن الشباب الناشط المشتبك مع مجتمعه والذي يرى أن المسألة مسألة إعلام ومعرفة. ماذل نفعل معهم؟ فقد عملنا على تمكين الصوت وتعزيز فكرة أن الذي يمتلك رأيًا ما يجب أن يعبر عنه ويقوله مع توفير الأدوات التي تساعد على ذلك وتمكينهم منها. ولكن، ومع الفرضية الحالية لواقع الإعلام: كيف نتصرف في حين أن منافسك الجديد (الإعلام المؤسسي الخاص) أشطر وأخبث بكثير، وليس كما خائبًا وغير مؤثر في كخيبة إعلام مبارك وطنطاوي والإخوان؟


والإعلام البديل نفسه، ما هو وضعه؟ ما هي احتياجياته؟ كيف نكمل بناءه؟

كيف نصل لمفاهيم ومبادئ وآليات الإعلام الجديد الذي نحلم به؟