فقاعة المدينة

من ويكي أضِف
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بحضور: ولاء صلاح الدين، نرمين الشريف، أحمد السروجي، نادية منير، مصطفى صابر حنفي، محمود عثمان، رنوة يحيي و مصطفى صقر


بدأت الفقاعة بعرض مصطفى صابر لتجربته في مدرسة نماء عن "رؤية المدينة" و التي تعرف فيها على عملية الانجراف في المدينة “Drifting” و عمل خريطة لروح المكان بعلاماته الإنسانية و التي تميزه عن أي مكان أخر بعيدا عن الخريطة المصمتة. خريطة للمكان من منظور المساحة و استغلال السكان لها و علاقتهم بتفاصيلها. استكمل مصطفى حديثه عن روح المدينة من خلال معرفته من مدرسة نماء لتخطيط المدينة و تفاصيلها بين العمران العشوائي، المخطط محليا و بين التخطيط الحكومي للمناطق مدللا على ذلك باستخدام الشوارع المتعامدة لفض التظاهرات و الاحتجاجات شارحا ذلك بسهولة الضغط على الشوارع الكبيرة المتعامدة لفتيت التجمعات و التظاهرات مع تسرب المتظاهرين للشوارع الجانبية بينما صعوبة ذلك في الشوارع الدائرية المتصلة ببعضها البعض وسط البلد في القاهرة كمثال.

و منها بدأت رنوة تحكي عن علاقة أضف بعشرة طوبة و العمل معا على مشروع تخطيط أرض اللواء باستخدام برنامج أوبن ستريت ماب. حيث تم تمكين المواطنين في أرض اللواء من تخطيط مساحاتهم العامة و تحديثها على الخرائط المفتوحة و المتاحة على البرنامج بما يتناسب مع حاجتهم و استخدامهم لهذه المساحات و خصوصا الأماكن الغير موجودة على الخريطة. و ربطت رنوة ذلك بالمساحة العامة و التي كانت مفتوحة أن ذاك و فرصة العمل مع اللجان الشعبية و التقنيين و العمرانيين المهتمين.

التاريخ:

انتقلت رنوة بحديثها لعلاقتها بالقاهرة و اختصرت بشكل مبدئي مشاكلها في بداية علاقتها بالقاهرة لغياب التاريخ و أريحيتنا مع المكان المرتبطة في رأي رنوة بالأساس بوجود تراكم تاريخي مع المكان و تفاصيله "لما أعدي في مكان مفيش أحساس الراحة زي لما أعدي في شارع ببيروت و عارفه أن هنا في كذا و هناك في المحل دا"

من هذه النقطة انتقل مصطفى ليحكي عن تاريخه الشخصي بالقاهرة و عن مقارنة بين الموقعين الأساسيين خلال طفولته بين رملة بولاق و شبرا و تماثل الذاكرة الشخصية له في الموقعين مما أدى لتشابههم في مخيلته برغم الفارق الجغرافي الشاسع بينهم و التكون المختلف بين المنازل و الشوارع. الذاكرة الشخصية له في تلك الأماكن مرتبطة بتاريخ حسى متشابه بين المكانين و ليس ذاكره شكلية مرتبطة بتكوين و شكل المكان.

و منه بدأت ولاء تحكي عن تاريخ علاقتها بالعاصمة التي تقطن بها، الخرطوم في السودان.بدأت ولاء بوصف علاقتها بالخرطوم بالمعقدة جدا و هو ما فسرته بتنقل عائلتها كثيرا أثناء طفولتها في الخرطوم حيث سكنت فيما يقدر بعشرة منازل في الخرطوم و ذلك فقط أثناء طفولتها و هو الأمر الذي أثر عليها حتى الأن فأصبح التنقل المستمر بين المنازل عادة لها حتى بعد الأستقلال عن عائلتها و حتى في علاقتها بالمدينة فأصبحت تخرج من الخرطوم بمعدل مرة كل ثلاث أو أربع شهور. و هو ما لفت نظرها في البداية لقدر التغير المستمر في مدينة مثل الخرطوم كتغير مواقف المواصلات و قلل أيضا من ارتباطها بالأماكن الجديدة في الخرطوم مثل الفندق الجديد و الذي تم بناءة في مكان حديقة الحيوانات و الذي أصبح أهم/ أجمل مبني في الخرطوم إلا أنها لا تمتلك أي مشاعر تجاه هذا المبنى. فسرت ولا كل ذلك برهبتها من التغيير الكبير القائم بالخرطوم و عدم قدرتها على مواكبة هذا التغيير. و لفتت ولاء النظر أيضا لظاهرة المباني اللامعة و المغلفة بطبقة ألوي ميتال بالكامل مما يضيع كل التفاصيل الخاصة بكل مبني فأصبحت المدينة كلها متشابهة في الشكل الخارجي. فسرت ولاء أيضا على تأثير ذلك على علاقتها بالخرطوم فشرحت التناقض الداخلي الذي تشعر به تجاه المدينة بين الحنين لها بمجرد الخروج منها و الانقباض الكائن في روحها بمجرد دخولها المدينة.

أنتقل الحديث عن تغير المدينة للإسكندرية فحكى مصطفى عن موجات البناء المخالف و المتوازي و خطورته على تربة رخوة مثل تربة الإسكندرية فالمباني الجديدة تحتل الشوارع و بسرعة شديدة خلال العقد الماضي. تبنى كلها بالتوازي و بدون دراسة لحالات شبكات الصرف و المياه و الكهرباء و مخالفة في أغلبها لقانون بناء العقارات معرضة المدينة كلها للخطر في حال سقوط أصبح اعتيادي لأحد هذه المباني أو في حالة أي هزة أرضية تضرب موقع من هذه المواقع.

كما تطرقنا لمناقشة الملكية في الإسكندرية بين الكورنيش و البنية التحتية ففي الفترة الماضية رأينا تعديات واضحة على الملكية العامة للبنية التحتية و لعل أبرزها هو شراء فندق سان ستيفانو في الإسكندرية للنفق الخاص بالمشاة لعبور طريق الكورنيش و تخصيصه لنزلاء الفندق و بذلك تجريد المساحة كاملة قبله و بعده من طريق أمن لعبور المشاة كما أمتد التعدي للقاهرة في منطقة جاردن سيتي حيث ردم أحد الفنادق مساحة من النيل مواجهة لهذا الفندق. و بالعودة لامتلاك الأفق و نقاش حول تحول ملكية الكورنيش في الإسكندرية لكافيتريات و خصوصا الجهة الأقرب للبحر و التي عرفت عبر التاريخ كمساحة مفتوحة للمشي و التسكع بين المواطنين. صراع كبير دار بين هذة الكافيتريات و السكان على الحق في الأفق و استغلاله و لا يزال تعدي هؤلاء المملكين مستمر و مدعوم من الجهات الحكومية.

المدينة بين الذاكرة و التجديد:

بدأت نرمين الشريف في عرض حيرتها بشأن تاريخ المدن و التطوير فنرمين و التي عملت مع عشرة طوبة و غيرها من الجهات المستقلة لدراسة العمران بالإضافة لدراستها الشخصية و مجال عملها الجامعة الألمانية مما يدفعها لتسأل أن كانت هذه هي طريقة بناء المدن و تطويرها؟ فعلى أغلب الظن هذا هو ما فعله محمد علي و من بعده الخديوي إسماعيل و بعدها آخرين. فهل نوستالجيتنا لهذه الأماكن الآن هي نوستالجيا لأماكن كان يراها السابقون دخيلة و غريبة و يمكن قبيحة أيضا؟

“لازم نثق في المدينة و قدرتها على الاستمرار و البقاء"

و هو ما تفق عليه الحضور و أكدوا أن الفيصل في هذه النقطة هو بناء الذكريات و الحفاظ عليها في مقابل هذا التطوير.

الذاكرة المصورة للمدينة:

من النقطة السابقة انتفلنا لذاكرة المدينة و مصادر هذه الذاكرة، الصورة كمثال رئيسي على ذلك. فبين النظرية التي تصف ذاكرة المدينة من خلال الصور بكونها ذاكرة مبتورة من الواقع بإفتراد أنها تدل في الأساس على ذاكرة المصور الشخصية و الأهداف الأساسية وراء هذه الصور و بين وجهة النظر الأخرى و التي تصف ذاكرة المدينة كمجموع ذاكرات أفرادها في وقت ما و عليه فنقاط تقاطع هؤلاء الأفراد هي الذاكرة الجماعية لهذه المدينة التي تضمهم جميعا. فالمدينة ككيان متعدد الطبقات يعكس الكثير و المتنوع من سكانها.

على الجانب الأخر من الذاكرة يقف أحمد السروجي و الذي قال أنه يسعى بشكل مقصود تجاه عدم تكوين علاقات نوستالجيا بالأماكن و ذلك لتنقله كثيرا بين أماكن مختلفة و هو الأمر الذي يمكن أن يكون شديد القسوة حسب قوله. و من هذه النقطة خرج السروجي لتاريخ علاقته بالإسكندرية حيث يعيش أهله في بيت العائلة و الذي كان في السابق فيلا و أصبح عمارة من 5 أدوار في حي قديم بالإسكندرية. عرف أحمد من والده عن عروض من سماسرة خلال الفترة الماضية لشراء العمارة و تحويلها لبرج سكني كما جرت العادة مؤخرا في المدينة. تركز تفكير أحمد السروجي على نقطة أساسية و قدرته على مقاومة هذا الامتداد العمراني المتوحش في حالة أنتقال ملكية هذا العقار له.

التسكع:

عدنا بعدها لمفهوم الDrifting كعملية استكشاف للمدينة، مشتقا من كلمة Derive الفرنسية بمعنى الخروج بلا هدف و عليه علقت نادية منير على القاهرة كمدينة لا تسمح بذلك، مدينة لا تسمح بالتسكع إلا فيم ندر. و مقارنة المدينة في ذلك الأطار بمدن أخرى مثل لندن و التي تدعو وفقا لنادية للتسكع، للتوهان. مدينة تعمق علاقة الشخص بالأماكن و الشوارع المحيطة.

أستكمل نادية في وصف القاهرة كمدينة نشيطة و متحركة دائما مما يفرد على الأشخاص هذا الشعور الدائم بالملاحقة، بغياب السكينة

استكملت رنوة المقارنة بالتسكع في بيروت فحكت عن ارتباط علاقتها بلبنان بالسيارة كسلاح أساسي لها أثناء هذه العملية ففي كل مرة تتسكع في أحد مناطق لبنان تكتشف مفاجاءة سواء شارع، ممر أو تفصيلة بسيطة. بيروت وفقا لرنوة تتيح للأشخاص القيام بهذة الرحلات الاستكشافية كثيرا.

و هو ما عقبت عليه نرمين الشريف على صعوبة المقارنة بين القاهرة و العواصم الأخرى فالقاهرة مدينة ضارية، مجنونة سواء في مساحاتها، تعدادها، معمارها أو تنوع أفرادها.

“Cairo is an Issue of scale”


Egyptian Psycho-geography

خرجنا من التوهان في القاهرة لأحد نماذج هذا التسكع من خلالEgyptian Psycho-geography و هو تجربة شريف العظمة في استكشاف القاهرة عن طريق المشي وفقا لنمط يحدده مسبقا "أتنين يمين و واحد شمال" كمثال حيث يستكشف وسط المدينة من خلال نمط اتخاذ شارعين لليمين ثم أخر لليسار أثناء التجول في المدينة. من خلال هذه التجربة أيضأ.

في عين علق أحمد السروجي على فكرة التسكع في القاهرة حيث تتعدد طبقاتها و عناصر التكون الاجتماعي و البصري للمدينة فيصاب بنوع من التوهان بين هذه التفاصيل و هو ما نتج عنه وفقا لأحمد قرار بمحاولة تخدير أغلب حواسة أثناء المرور في المدينة حفاظا على صحته النفسية ففوفقا لأحمد القاهرة مدينة غير متوقعة، صادمة و مرهقة.

بينما عبرت ولاء عن تجربتها الحالية في التسكع في القاهرة فعبرت عنه كوصلة تحرش مستمرة مما صعب عليها حتى رؤية و استكشاف المدينة.

انتقلت ولاء بالحديث لمدينتها الخرطوم و عن الحنين لذاكرة سمعية لم تشهدها في المدينة و التي فقدت تاريخها بالكامل وفقا لولاء خلال الثلاث عقود الأخيرة. بررت ولاء شعورها بالنوستالجيا بأنه حنين لشيئ في الماضي سمعوا جميعا عن جمالة و في نفس الوقت هربا من حاضر و مستقبل شاهدوا جميعا نتائجه من انحدار للجمال العام و بيع للمجال العام في الخرطوم. فالصراع في الخرطوم صراع مع سياسات السلطة و التي تقدم على بيع الخرطوم بالكامل.


بالرجوع لنص داليا عبدالحميد و نص ناريمان يوسف عن حب المدينة أكتشفت رنوة أن حبها للمدينة يظهر أساسا من خلال الخروج فيها مع أشخاص من خارجها، استكشاف المدينة مع عيون غريبة و هو مع عبرت عنه من خلال المنظور الجديد و الأبسط للمدينة، المنظور المستكشف.

مقاومة:

أنتقل الحديث للمبادرات الشابة في القاهرة مثل Cairo Runners , Cairo Walks و ركوب العجل حيث وصف مصطفى صابر تجربته على العجلة مرورا بكورنيش القاهرة بالكامل كتجربة مغايرة عن تجربته اليومية لنفس الطريق طوال الخمسة عشر عاما السابقين لهذا اليوم. و وصف هذه المبادرات كحركات مقاومة للسيطرة على هذه المدينة المجنونة من استغلال للمساحات العامة و فرص أكبر لاستكشاف المدينة بالتحكم بالطرق، السرعة و التوقيت.

و على غرار ذلك قالت رنوة أن مساحتها الوحيدة لبناء علاقة مع المدينة هي ليلا من خلال السيارة.

بينما وجدت ولاء الليل مساحة غير أمنة بالمرة في الخرطوم. العنف في الخرطوم ينتشر في الليل و تزيد احتمالية تعرض المارة لتعدي مسلح، فالخرطوم مدينة وفقا لولاء تجبر الأنثى على الأعتمادية على ذكر. مدينة ذكورية بالكامل. و في هذا الأطار بالتحديد عبرت ولاء عن كراهيتها للسودان كمدينة. و ذلك لأثر هذة المدينة عليها و على قراراتها الشخصية فمثلا و في مثل هذة الظروف تكره ولاء قراراها و حربها تجاه خلع الحجاب و تكره كونها أنثى.

فالتسكع في المدن العربية عادة ذكورية جدا سواء في مصر، الأردن، السودان و غيرها من البلاد و حكت في ذلك نادية منير مثالا على مقاومة الأردنيين لذلك من خلال ممارسة مباشرة قام بها 4 فتيات للتسكع في الأردن، أرتادوا المحلات و أكلوا الأيس كريم كأي مجموعة شباب في المدينة و هو ما استنكره أهل المدينة.

على عكس ولاء لا تكره نادية قرارها بالحجاب بل و هي اتخذت هذا القرار بوعى لهذا المنطق فقد قررت نادية ارتداء الحجاب لأنها تراه وسيلة تسهل عليها استكشاف المدينة و التعاطي معها بقدر أقل من التضييق و الأحكام المسبقة من الآخرين.

العودة للمدينة:

عبر أحمد السروجي عن تجربته في العودة للمدينة بعد معسكرات أضف للشباب من خلال ديناميكية إنكار فاعل لهذه العودة، "كنت بحط طاقتي في تلاجة، كنت بهرب من الضغط العام و من فكرة اني أرجع، كل دا من خلال الاستثمار في حالتي اللي راجع بيها". “فكل شخص يختار حدوده في المدينة، انا مثلا أختار الصبح بدري و بالليل"

بينما اختلفت تجربة محمود عثمان في العودة للقاهرة حيث اضطرته ظروف العمل للعودة مباشرة للمحكمة فوصف مقاومته لهذه العودة بدعوة للمعسكرات حيث حكي لكل شخص عن تجربته في المعسكرات و عن القصير و الخروج من المدينة.

ولاء اختلفت تماما تجربتها في العودة. فقد قررت قبل ذلك، خلال المعسكر، أنها لن تعود للخرطوم لمدة طويلة و عادت لمدة شهرين قضتهم بين الخرطوم و كامبالا. قالت ولاء عن رجوعها أنه كان صادما فهي لم تأخذ وقتا للراحة بين المعسكر و الخرطوم و هذا التناقض كان أكثر من مقلق وفقا لها مما أجبرها على البقاء في المنزل لفترات أطول.